مولاي

في يوم الأربعاء 19/12/2012، كانت لي فرصة تاريخية في حياتي بأن أكون من بين إثنين وأربعين شابة وشابا التقوا مع جلالة الملك عبد الله الثاني بضيافة الدكتور خالد الكركي.

في الحياة توجد فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة ومنها على سبيل المثال أن يسمح لك بأن تتكلم بدقيقتين أمام الملك عبد الله، ولهذا كانت ليلة الأربعاء ليلة عامرة بالتفكير والعصف الذهني لأخرج بخلاصة ما أرغب بأن أقول له، وماذا أريد أن أوصل له من رسالة، وما القضية الأولى بالحديث عنها، والكلمات الأنسب والأقرب، وبكل صراحة الكلام أمام الملك مسؤولية، فاختيار كل فرد في هكذا لقاءات وخصوصا من الشباب الهدف منه إيصال صوت الشباب، والأمانة والإخلاص وصدق الولاء للملك تتضمن أن تقول له نصيحة وتنقل له الواقع، وكل هذا مع تضمين أدب الخطاب بما يناسب المقام.

بعد أخذ ورد مع نفسي وكلماتي ومداد قلمي، حددت الفقرات والجمل والكلمات والأحرف وعلامات الترقيم التي أريد أن أتحدث فيها، فطبعت مداخلتي في ورقة، لثلاثة أهداف أولهم أن يكون كلامي واضحا ودقيقا فبرأيي زيادة أو نقصان حرف قد تغير المعنى، وثانيا لأنه قد لا تتاح لي الفرصة للحديث وهنا تكون عندي فرصة أن أسلم مداخلتي باليد للملك، وثالثا لأني خفت عند تحدثي للملك أن “انعجق وأخربط فأشرق وأغرب” فتضيع الطاسة.

عندما دخل الملك عبد الله إلى القاعة وتحدث حول رؤيته وتصوره للقادم، فتح باب المشاركات للشباب للاستماع إلينا، فكانت لي الفرصة أن أكون أول المتحدثين، وبعد التعريف عن نفسي، قلت التالي بالحرف:

“سيدي أبتدئ مداخلتي بأبيات شعر قالها عرار في حضرة الملك عبد الله الأول رحمه الله يقول فيها:

مولاي شعبك مكلوم الحشا وبه من غَضِّ طرفك والنسيان داءان
وليس ترياقه يا سيّدي وأخي ، في ناب صَلٍّ ولا في سِنِّ ثعبان
مولاي ! إنّ المطايا لا تسير إلى غاياتها، إن علاها غير فرسان

سيدي إنهم يضعونك بمواجهة أحلام الناس وكرامتهم وجوعهم وحريتهم، وإلا فما معنى أن يخرج الأردني ليصرخ من ألمه وجوعه واستردادا لمقدرات وطنه، فيسجن ويضرب ويتهم بالتطاول على مقامكم أو بتقويض نظام الحكم، ومن سرق ونهب ما زال يصول ويجول ويتصدر المنابر، إن من يفعل هذا يا سيد البلاد إما أحمق وإما خائن يريد أن يوقع بينك وبين شعبك لأن الأردني لا يصبر على الظلم والقهر والفقر.

يا سيدي..الشعب الاردني يستحق المزيد من الخطوات الإصلاحية، فهو مقتنع تماما أن الأمور بيدك، وأنك الوحيد القادر على إخراج الأردن من هذه الأزمة،  والشعب الأردني سيكون مساندا لك في خطواتك الإصلاحية، وما خسر حاكم راهن على شعبه، وجلالة الملك أنت أقوى شخص في الدولة الأردنية، وسأكون معك صادقا لأقول أن العديد من أبناء الشعب الأردني لم يعودوا مقتنعين بالخطاب المتمثل بأن ما حدث ويحدث سببه البطانة الفاسدة وعدم إيصال المعلومة الصحيحة لجلالتك، وأصبح يقتنع الكثير ويترسخ لديهم أنك تتحمل جزءا ليس بسيطا من المسؤولية، وإن كان الدستور يعفيك فقلب المواطن ليس الدستور.

جلالة الملك أود أن أختم فأقول أنا لست بعبقري في السياسة ولا مسؤول حكومي كبير، ولا شيخ عشيرة ولا أمين عام حزب، ولا ناطق باسم حراك، لكن نصيحة من شاب أردني بسيط قد تكون هذه المرة الوحيد التي تلتقي به، بأن شعرة الثقة والأمل بين الكثير من أبناء الشعب ومؤسسة الحكم بدأت تضعف، فناشدتك واستحلفتك بالله أن لا تقبل بأن تنقطع، لأنها قد قطعت بنظر البعض.

وفقك الله لما فيه خير الأردن والأردنيين”

انتهت مداخلتي، وبعدها كانت هنالك مداخلات من الشباب، ومن أبرز المداخلات مضمونا ومحتوى مداخلة الصفحي حسن التل الذي تحدث عن أهمية التثقيف والذي هو المرحلة المهمة التي يجب أن نطبقها في التعليم، وكذلك عن وضع الإعلام الرسمي والمحلي، وكذلك مداخلة الدكتور شيرين حامد حول التعليم بشقيه المدرسي والجامعي والتي لاقت اهتماما بالانصات من قبل الملك، ومداخلة الصديق ناصر قلعجي عن حال الإعلام الرسمي وحاجتنا للحديث عن تاريخ الأردن وإنتاج مواد فنية عن National Heroes.

عندما انتهى اللقاء مع الملك، أصابتني حالة حوار مع نفسي، تسألني فيها: هل قلت ما يجب أن أقوله؟ ولو عدت بالوقت مرة أخرى هل كنت لأقول شيئا آخر؟ هل أوصلت صوتا من أصوات الشباب الأردني؟ وكان السؤال الأبرز الذي لا أملك الإجابة عليه: هل ما قلته له أي أثر؟

وفق الله الأردنيين لما فيه خير الأردن.

Post a comment or leave a trackback: Trackback URL.

التعليقات

  • rnd  On 2012/12/20 at 12:14 م

    انا ضد هذه اللقاءات ولكن لكل من ذهب اليها بنية صافية ليخبر الملك عن سوء بطانته وليخبره “بما لا يعلم به :!!!” من فساد وظلم وبطش، ها قد أوصلتهم له الفكرة ولم تعد البطانة تعمي عيونه، فهو الان يرى ولا عذر لمن ادرك الفكرة ولم يعمل بها…..هل ستلتقون به لتكررو نفس الكلام بعد حلفة النهب والبطش التالية؟

  • منى الكايد  On 2012/12/20 at 12:51 م

    لأ أدري إن كانت كلماتي تعني لك شيئاً ، لكن صدقني أن مداخلتك لم تعبر عن رأيك فحسب ، و إنما عبرت عما أعتقده و ما تعتقده فئة كبيرة ممن أعرفهم شخصياً ..
    أؤمن بأنه لم يكن من السهل قول تلك الكلمات ، و أغلب الظن أنك شعرت بالمعنى الحرفي لــ “سأحمل روحي على راحتي” في تلك اللحظات ! لكنني أؤمن أيضاً بأن الوطن يستحق ..
    الله يحميك يا رب ..

  • walaa  On 2012/12/20 at 2:42 م

    شو جاوبك ؟

  • Spoiled Egg (@WhatEver2K4)  On 2012/12/20 at 9:08 م

    على الاقل اختصرت الحواجز واسقطت حجة – ما كنت اعرف 🙂

  • Abdul-Ghafour Abbasi (@ammanalquds)  On 2012/12/21 at 11:22 ص

    جزاك الله خيرا

  • BILAL  On 2012/12/21 at 3:36 م

    ممتاز، أحسنت

  • محمد الصوري  On 2012/12/21 at 7:50 م

    أحسنت قولا ولا شك انك تملك جرأة لا تحسد عليها ولكن هل حقاً أن تلك الكلمات كان لها اثر فانا اعتقد انه وصل إلى مسامع جلالته كلاما أدق مما قلت واكثر تحديدا مما أشرت ولكن يبدوا أن هناك خلافا في الأولويات بين المواطن وبين الحكومة وبالتالي موقف جلالة الملك ستكون اقرب إلى موقف الحكومة وليس إلى موقف المواطن ، وشكرا.

  • Maryrose Hanna Fares Francis  On 2012/12/21 at 8:08 م

    كلنا نغني في خابية فارغ

  • Maryrose Hanna Fares Francis  On 2012/12/21 at 8:10 م

    علي بال مين يلي بترقص في العتمة

  • Fadi Kahhaleh  On 2012/12/22 at 4:58 ص

    I had the chance to meet with His Majesty King Abdulla II as part of the initiative to involve youth in the decision making process and what goes on behind the scenes when His Majesty works hard to take Jordan to the next step.

    I can relate to your fears and questions to what you should say and how it should be said, but with all honesty, the King made it very easy on us throughout our 10 day experience to feel right at home. He is a very down-to-earth person and it was .an honor to have met him in person, shook his hand and exchange a few words

    I am glad that you were among the chosen to speak in front of His Majesty and I wish you all luck in the future.

  • hglphld ogt hglphski  On 2012/12/22 at 8:58 ص

    يااستاذ لقد انطقك الله بما هو حق وماهو لخير لالملك والشعب فجزاك الله الخير كله وان من خطابك هذا لسحرا فهو مايريد كل اردني حر ان يوصله

  • جابر الزواهرة  On 2012/12/25 at 9:10 ص

    كلماتك سيدي كانت من الروعة بمكان ، وجلالة الملك يحترب نبض القلوب والعقول ، لقد أوجزتَ فأبلغتَ .
    أستميحك عذراً بملاحظة هامه مفادها : يارجل أترك إجعل إسمكَ الحقيقي تحت أنظار قُرائكَ وبين أيديهم ودعك من الاسماء المستعارة .
    تقبل إحترامي وتقديري .
    جابر زواهرة ” ابو عاصم ”
    الزرقاء .

Trackbacks

اترك رداً على Fadi Kahhaleh إلغاء الرد